فصل: ومن باب في الخوارج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب الرد على الجهمية والمعتزلة:

قال أبو داود: حدثنا عبد الأعلى بن حماد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وأحمد بن سعيد الرباطي قالوا حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال يا رسول الله جُهدت الأنفس وضاع العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه؛ ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك؛ ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب».
قال الشيخ: هذا الكلام إذا جرى على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية والكيفية عن الله وصفاته منفية فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ولا تحديده على هذه الهيئة، وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله وجلاله سبحانه، وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه فهمه إذ كان أعرابيا جلفًا لا علم له بمعاني ما دق من الكلام وبما لطف منه عن درك الأفهام. وفي الكلام حذف وإضمار فمعنى قوله: «أتدري ما الله» معناه أتدري ما عظمة الله وجلاله. وقوله: «أنه ليئط به» معناه أنه ليعجز عن جلاله وعظمته حتى يئط به إذ كان معلومًا أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه ولعجزه عن احتماله فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلال وارتفاع عرشه ليعلم أن الموصوف بعلو الشأن وجلالة القدر وفخامة الذكر لا يجعل شفيعًا إلى من هو دونه في القدر وأسفل منه في الدرجة وتعالى الله أن يكون مشبهًا بشيء أو مكيفًا بصورة خلق أو مدركًا بحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وذكر البخاري هذا الحديث في التاريخ من رواية جبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده ولم يدخله في الجامع الصحيح.

.ومن باب في الرؤية:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ووكيع وأبو أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسًا فنظر إلى القمر ليلة البدر ليلة أربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تُضامُّون في رؤيته».
قال الشيخ: قوله: «تضامون» هو من الانضمام يريد أنكم لا تجتمعوا للنظر وينضم بعضكم إلى بعض فيقول واحد هو ذاك ويقول الآخر ليس بذاك على ما جرت به عادة الناس عند النظر إلى الهلال أول ليلة من الشهر، ووزنه تفاعلون وأصله تتضامون حذفت منه إحدى التاءين. وقد رواه بعضهم تضامون بضم التاء وتخفيف الميم فيكون معناه على هذه الرواية أنه لا يلحقكم ضيم ولا مشقة في رؤيته.
وقد تخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في قوله: «كما ترون» كاف التشبيه للمرئي وإنما هو كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي، ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها وتنتفي معها المرية كرؤيتكم القمر ليلة البدر لا ترتابون به ولا تمترون فيه.
قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه أنه سمعه يحدث، عَن أبي هريرة قال: «قال ناس يا رسول الله أنرى ربنا يوم القيامة، قال هل تُضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا، قال هل تُضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة قالوا لا، قال والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤيته إلاّ كما تضارون في رؤية أحدهما».
قال الشيخ: وهذا والأول سواء في إدغام أحد الحرفين في الآخر وفتح التاء من أوله ووزنه تفاعلون من الضرار، والضرار أن يتضار الرجلان عند الاختلاف في الشيء فيضار هذا ذلك وذلك هذا، فيقال قد وقع الضرار بينهما أي الاختلاف.
قال أبو داود: حدثنا علي بن نصر ومحمد بن يونس النسائي، والمعنى قالا: حَدَّثنا عبد الله بن يزيد حدثنا حرملة، يَعني ابن عمران حدثني أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة «يقرأ هذه الآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58] إلى قوله: {سميعًا بصيرًا} قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه».
قال الشيخ: وضعه إصبعه على أذنه وعينه عند قراءته {سميعًا بصيرًا}، معناه إثبات صفة السمع والبصر لله سبحانه لا إثبات الأذن والعين لأنهما جارحتان والله سبحانه موصوف بصفاته منفي عنه ما لا يليق به من صفات الآدميين ونعوتهم ليس بذي جوارح ولا بذي أجزاء وأبعاض ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب، عَن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن أبي عبد الله الأغر، عَن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له».
قال الشيخ: وقد رواه الأعمش، عَن أبي صالح، عَن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه حدثناه إسماعيل الصفار حدثنا محمد بن جعفر الوراق حدثنا محاضر عن الأعمش قال وأرى أبا سفيان ذكره عن جابر قال: «وذلك في كل ليلة».
قلت: مذهب علماء السلف وأئمة الفقهاء أن يجروا مثل هذه الأحاديث على ظاهرها وأن لا يزيفوا لها المعاني ولا يتأولوها لعلمهم بقصور علمهم عن دركها.
حدثنا الزعفراني حدثنا ابن أبي خيثمة حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي حدثنا بقية عن الأوزاعي، قال كان مكحول والزهري يقولان أمروا الأحاديث كما جاءت.
قلت: وهذا من العلم الذي أمرنا أن نؤمن بظاهره وأن لا نكشف عن باطنه وهو من جملة المتشابه الذي ذكره الله عز وجل في كتابه فقال: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} [آل عمران: 7] الآية؛ فالمحكم منه يقع به العلم الحقيقي والعمل، والمتشابه يقع به الإيمان والعلم بالظاهر ونوكل باطنه إلى الله سبحانه؛ وهو معنى قوله: {وما يعلم تأويله إلاّ الله} [آل عمران: 7] وإنما حظ الراسخين في العلم أن يقولوا: {آمنا به كل من عند ربنا} [آل عمران: 7] وكذلك كل ما جاء من هذا الباب في القرآن كقوله: {هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر} [البقرة: 210] وقوله: {وجاء ربك والملك صفًا صفًا} [الفجر: 22] والقول في جميع ذلك عند علماء السلف هو ما قلنا، وقد روي مثل ذلك عن جماعة من الصحابة.
وقد زل بعض شيوخ أهل الحديث ممن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال فحاد عن هذه الطريقة حين روى حديث النزول ثم أقبل يسأل نفسه عليه فقال إن قال قائل كيف ينزل ربنا إلى السماء قيل له ينزل كيف شاء فإن قال هل يتحرك إذا نزل أم لا، فقال إن شاء تحرك وإن شاء لم يتحرك.
قلت: وهذا خطأ فاحش والله سبحانه لا يوصف بالحركة لأن الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون وكلاهما من أعراض الحدث وأوصاف المخلوقين والله جل وعز متعال عنهما ليس كمثله شيء، فلو جرى هذا الشيخ عفا الله عنا وعنه على طريقة السلف الصالح ولم يدخل نفسه فيما لا يعنيه لم يكن يخرج به القول إلى مثل هذا الخطأ الفاحش، وإنما ذكرت هذا لكي يتوقى الكلام فيما كان من هذا النوع فإنه لا يثمر خيرًا ولا يفيد رشدًا ونسأل الله العصمة من الضلال والقول بما لا يجوز من الفاسد المحال.

.ومن باب في القرآن:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبه حدثنا جرير عن منصور عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين عليهما السلام أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ثم يقول كان أبوكم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق».
قال الشيخ: الهامة إحدى الهوام وذوات السموم كالحية والعقرب ونحوهما وقوله من كل عين لامة معناه ذات لمم كقول النابغة:
كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب

أي ذو نصب.
وكان أحمد بن حنبل يستدل بقوله: «بكلمات الله التامة» على أن القرآن غير مخلوق وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق وما من كلام مخلوق إلاّ وفيه نقص والموصوف منه بالتمام هو غير المخلوق وهو كلام الله سبحانه.

.ومن باب في الحوض:

قال أبو داود: حدثنا عاصم بن النَّضر حدثنا المعتمر قال: سمعت أبي حدثنا قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لما عرج نبي الله صلى الله عليه وسلم في الجنة أو كما قال عرض له نهر حافتاه الياقوت المجيب أو قال المجوف» وذكر الحديث.
قال الشيخ: المجيب هو الأجوف وأصله من جبيت الشيء إذا قطعته والشيء مجيب ومجبوب كما قالوا مشيب ومشبوب وانقلاب الياء عن الواو كثير في كلامهم.

.ومن باب المسألة في القبر:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك بمنهرة فيقول له ما كنت تعبد فيقول لا أدري فيقال له لا دريت ولا تليت».
قال الشيخ: هكذا يقول المحدثون وهو غلط، وقد ذكره القتيبي في كتاب غريب الحديث، وقال فيه قولان بلغني عن يونس البصري أنه قال هو لا دريت ولا تليت ساكنة التاء يدعو عليه بأن لا تتلى إبله أي يكون لها أولاد تتلوها أي تتبعها، يقال للناقة قد تليت فهي متلية وتلاها ولدها إذا تبعها، قال وقال غيره هو لا دريت ولا تليت، تقدير افتعلت من قولك ما آلوت هذا ولا أستطيعه كأنه يقول لا دريت ولا استطعت.

.ومن باب في الخوارج:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير وأبو بكر بن عياش ومندل عن مطرف، عَن أبي جهم عن خالد بن وهبان، عَن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».
قال الشيخ: الربقة ما يجعل في عنق الدابة كالطوق يمسكها لئلا تشرد، يقول من خرج عن طاعة الجماعة وفارقهم في الأمر المجمع عليه فقد ضل وهلك وكان كالدابة إذا خلعت الربقة التي هي محفوظة بها فإنها لا يؤمن عليها عند ذلك الهلاك والضياع.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن عبيد ومحمد بن عيسى المعنى قالا: حَدَّثنا حماد عن أيوب عن محمد عن عبيدة أن عليًا عليه السلام ذكر أهل النهروان فقال فيهم رجل مُوذَن اليد أو مُخدج اليد أو مثدَّن اليد.
قال الشيخ: قال أبو عبيد عن الكسائي المؤذن اليد القصير اليد، قال وفيه لغة أخرى وهو المودون، والمخدج القصير أيضًا أخذ من إخداج الناقة ولدها، وهو أن تلده وهو لغير تمام في خلقه، والمثدن يقال أنه شبه يده في قصرها بثندوة الثدي وهي أصله، وكان القياس أن يقال مثند لأن النون قبل الدال في الثندوة إلاّ أنه قلب والمقلوب كثير في الكلام.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبيه عن ابن أبي نعم، عَن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمًا قال فأقبل رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناتئ الجبين كث اللحية محلوق فقال اتق الله يا محمد، قال فلما ولى عنه، قال إن من ضئضئ هذا وفي عقب هذا قوم يقرؤون القرآن لا يتجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية».
قال الشيخ: الضئضئ الأصل يريد أنه يخرج من نسله الذي هو أصلهم أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قوله.
والمروق الخروج من الشيء والنفوذ إلى الطرف الأقصى منه؛ والرمية هي الطريدة التي يرميها الرامي.
قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل أخبرني زيد بن وهب الجهني قال، كنت مع علي كرم الله وجهه حين سار إلى الخوارج فلما التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي، فقال لهم ألقوا الرماح وسلوا السيوف من جفونها فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، قال فوحَّشوا برماحهم واستلوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم فقتلوا بعضهم على بعض.
قال الشيخ: فوحشوا برماحهم معناه رموا بها على بعد، يقال للإنسان إذا كان في يد شيء فرمى به على بعد قد وحش به ومنه قول الشاعر:
إن أنتم لم تطلبوا بأخيكم ** فضعوا السلاح ووحشوا بالأبرق

وقوله شجرهم الناس برماحهم يريد أنهم دافعوهم بالرماح وكفوهم عن أنفسهم بها، يقال شجرت الدابة بلجامها إذا كففتها به، وقد يكون أيضًا معناه أنهم شبكوهم بالرماح فقتلوهم من الاشتجار وهو الاختلاط والاشتباك.